27 - 07 - 2024

إيقاع مختلف | دراما السيف والكبرياء

إيقاع مختلف | دراما السيف والكبرياء

(أرشيف المشهد)

6-1-2015 | 17:20

شاعر عاشق، أمير فارس، أسير قتيل.

إنها صفحة من أكثر صفحات التراث الأدبى العربى درامية وإبداعاً وشجناً، تلك هى الصفحة التى يسكنها أبو فراس الحمدانى، هذا الفتى الذى ولد فى حضن الإمارة والمأساة، وعاش فى ظل الفروسية والشعر والتجاهل، ومات فى ظل صراع الحكم البغيض.

يشهد صباه الباكر مقتل أبيه على أيدى أبناء عمومته، ويربى فى قصر ابن عمه وزوج أخته أمير حلب سيف الدولة الحمدانى، حين هذا البلاط مجمع للمفكرين والمبدعين وبديل قطرى للمجد العباسى الآخذ فى الغروب والاضمحلال والغياب، وتتفجر موهبته الشعرية عفية متدفقة متألقة، لكنها تظل دائماً محجوبة عن المكانة التى تستحقها، لا لشىء إلا أنها عاشت وظلت متوارية تحت سطوة شمس الموهبة الشعرية الجبارة التى اسمها أبو الطيب المتنبى.

نعم قدر لهذا الشاعر أن يعيش فى العصر ذاته الذى عاش فيه المتنبى بكل سطوته الإبداعية التى أبت إلا أن تستأثر بالضوء كله، وألا تترك لسواها من المواهب الأصيلة النبيلة إلا كثراً من الظل وقليلاً من الضوء الهارب.

فوق صهوة الجياد، وتحت ظلال السيوف، قضى هذا الشاعر النبيل "أبو فراس" أيام حياته، فى صراع عربى رومى، وهو صراع شديد الدرامية أيضاً، لأن هذا الشاعر العربى الشامخ ولد لأم رومية، فكان عليه أن يحارب أخواله الروم من أجل عروبة حلب، لكن كان عليه فى الوقت ذاته أن يواجه مؤامرات أعمامه وأبناء أعمامه العرب القلقين أوالخائفين أوالمتوجسين فى بلاط سيف الدوبة الحمدانى، لذلك فقد كان عليه أن يتخوف أخواله الروم مرة وأعمامه العرب أربعا.

يقع أسيراً فى أيدى الروم حين يصبح الأسر أحد خيارين أحلاهما مر، ويقضى فى الأسر أربعة أعوام فى أقل الروايات تقديراً وسبعة فى أكثرها شيوعاً، ليكتب هناك رومياته التى تفيض حماسة ونبلاً وحنيناً وشجناً، والتى من بينها رائيته الرائعة التى سكنت وجداننا جميعاً حين دخلت ميدان الغناء العربى لتصبح واحدة من أروع القصائد المغناة فى أسماعنا وقلوبنا جميعا " أراك عصى الدمع شيمتك الصبر.. أما للهوى نهى عليك ولا أمر".

وحين يفتدى من أسره بعد هذه السنوات، يكون ماء كثير قد جرى فى نهر الدولة الحمدانية، وتكون شمس سيف الدولة أخذة فى الذهاب، ويكون عليه بعد قليل أن يدخل صراعاً مريراً مع ابن أخته أبى المعالى وقائد جنده  "قرغويه"، ويكون عليه أن يدفع حياته ثمنا لهذا الصراع، وختاماً مهيباً لهذه القصيدة الدرامية، ولتكون حياته ذاتها أكثر قصائده درامية وشجناً، ولتشهد الدنيا كلها بكون "زين الشباب أبو فراس لم يمتع بالشباب".

أعترف بأنى وقعت أسير محبة هذا الشاعر الفارس العاشق الأسير الأمير القتيل النبيل إلى حد أنى دخلت إلى مملكة المسرح الشعرى من أجله هو لأكتب مسرحيتى الشعرية الوحيدة حتى الآن "دراماالسيف والكبرياء".

مقالات اخرى للكاتب

جِيل من الصور الطلِيقَة